Search This Blog

Nonnus of Panopolis and the Paraphrase of the Gospel of St. John نونوس الذي من بانوبوليس وتفسير الإنجيل بحسب القديس يوحنا





نونوس الذي من بانوبوليس والتفسير الشّعريّ للإنجيل بحسب القديس يوحنا

نونّوس البانوبوليتي أو الذي من مدينةِ بانوبوليس، (Νόννος Πανοπολίτης)،كان شاعرًا ملحميًا يونانيًا من مصر الهيلينية في العصر الإمبراطوري الروماني. لا نعلم الكثير عن حياته سوى أنّه كان من مواليد بانوبوليس أي مدينة أخميم في مصر الحاليّة في محافظة طيبةَ أو ثيبا المصرية؛ وربما عاش في نهاية القرن الرابع أو الخامس الميلادي. هو معروف باسم مؤلِّفِ الملحمةِ الشعريةّ الأكبر في الأدب الأوروبي باسمِ ’’ديونيسياكا‘‘ (τὰ Διονυσιακά)، وهي قصّة ملحمية عن الإله ديونيسوس. وقد ألَّفَ أيضاً ملحمةً أُخرى بذاتِ الأهميّةِ باسمِ ’’إعادة صياغة إنجيل يوحنا‘‘ (Ἡ Παράφρασις τοῦ κατὰ Ἰωάννην Εὐαγγελίου).

إعادةُ صياغةِ إنجيلِ يوحنَا
إعادةُ الصِّياغةِ هي ممارسةُ أضحت نوعاً أدبيّاً في القرون الأولى للمسيحيّةِ؛ فهي ليست عمليّةٌ غيرَ مألوفةٍ لدى الأدباء وبالأخص المسيحيّين منهم. منذ أقدَمِ العصورِ كانت هذه الممارسةُ تتمُّ في المدارسِ لتعليمِ الأولادِ فنَّ الخطابةِ ولتدريبهم على استعمالِ اللُّغةِ بفصاحةٍ وطلاقةٍ. فبالأولى، هذا النَّوعُ الأدبيُّ لم يكُن غائباً عن الكتّاب المسيحيّين. فيُقالُ عن أبوليناريوسَ، أسقف اللاذقيّةِ - صاحب الهرطقةِ الأبوليناريّةِ - وعن أبيهِ الكاهِنِ المدعوِّ أيضاً بأبوليناريوس، بأنهما نقلا العهدَ القديمَ وبالأخص الكتب الموسويّةِ الخمسة إلى شعرٍ موزونٍ على الوزنِ الهوميري (مِن هوميروس) أو الوزن الإصبعي السُّداسي، dactylic hexameter. وذلك لمجابهة الإمبراطور يوليانوس الجاحد الذي منع تعليم الآداب والفلسفةِ الكلاسيكيّة القديمةِ للمسيحيّين. لكنَّ أيٌّ من هذه الأعمال لم تُحفَظ لنا حتى اليوم. كما ولدينا أيضاً الإمبراطورة إفذوكيا التي نقلت من النَّثرِ إلى الشِّعر القديمِ الموزونِ كتباً من العهدِ القديمِ. 

بيدَ أننا لن نقرأ لشاعرٍ أبدعَ في هذا الفنِّ الشعريِّ أكثر من نونّوس الذي نقلَ الإنجيلَ مِن جِهةٍ بأمانةٍ تامّةٍ من اللغةِ النثريّةِ إلى اللغةِ الشعريّةِ والوزنِ الشعري الهوميريَّينِ، دونما مساسٍ بالمعنى والعمقِ اللاهوتيَّين، ومن جهةٍ أُخرى فقد سخَّرَ عناصِرَ مِن الميثولوجيا اليونانيّة ومن نصوصِ أسلافهِ مِنَ الأدباءِ ومسحنها، أي جعل رموزها ودلالاتها مسيحيّةً، ليصلَ إلى النتيجةِ المرجوّةِ، ألا وهي إيصالُ الإنجيلِ إلى الطَّبقةِ المجتمعيّةِ الفكريّةِ والمثقفةِ والراقية، التي كانت الوثنيّةُ لا تزالُ مُعشعشةً في صفوفها. فهذا النوع الأدبي هو تفسيري أيضاً. فهو ’’تفسيرٌ‘‘ للإنجيلِ بطريقةٍ شعريّة.

وما يُضفي على عملِ نونوس الشعريِّ هذا أهميّةً -- ورونقاً أيضاً -- هو أنَّهُ قد استعانَ بتفاسيرِ أشهرِ آباءِ الكنيسةِ وعظاتهم حول إنجيلِ يوحنّا. وقد علمنا هذا من خلال الأبحاث العلميّةِ التي جرت على نصوصه مِن قبلِ علماء إيطاليّين وفرنسيين ويونانيّين. فقد كشفت لنا نتائجُ هذه الأبحاثِ والأطاريحِ العلميّةِ بأنَّ نونّوسَ كان يعرفُ عن ظهرِ قلب تفاسيرَ القدّيسِ كيرلُّسَ الاسكندريِّ وأنَّه مطّلعٌ على تآليفِ ديديموس الأعمى وأوريجانيس كما وأنّه متأثر بشكلٍ عميقٍ بتفاسير القدّيس يوحنّا الذهبي الفم.

وأمّا من النّاحيةِ الشعريّةِ فيعتبرُ أنَّ معلِّمه هو هوميروس (القرن الثامن ق.م.). فهو قد تربّى وتدرَّب على شعره وحفِظه عن ظهرِ قلب؛ لأنَّ هذا ما كانت تفعله المدارس في تدريس اللغة والآداب آنذاك. ثمَّ أنَّه تدرب على فن الخطابةِ كما ذكرنا آنفاً على عادةِ المدارسِ في تدريسِ هذا الفنّ؛ فتدرّب على نقلِ النّصوصِ النثريّةِ إلى شعريّة، مسخِّراً ما حفظه من جملٍ من شعر هوميروس وغيره من الشعراء الملحميّين والتراجيديّين والغنائيّين. وتكشف لنا أعماله أنه قد تأثر بشعر القدّيس غريغوريوس النزينزي اللاهوتي والأشعار الأورفيّة وشعر كاليماخوس وأشعار العرافةِ الدّينيّةِ كأشعار سيبيلا وزردشت وأورفيوس وغيرها. كما وأنّه -- بسبب العصر الذي كان يعيشُ فيه وبسبب الحكم الروماني السائدِ على المسكونةِ آنذاك -- كان على الأرجح يتقنُ اللغةَ اللاتينيّةَ ويعرفُ أعلامها من الكتّابِ والشعراء، وعلى الأخصِّ فرجيل وهوراتيوس.

فإذاً، أصبحت فيما بعدُ كتاباتُ نونوس تُعتبرُ مرجعاً ومدرسةً يُحتذى بها. فقد ترك أثره عند الكثير من الشعراء اللاحقين وخاصّةً في أوائلِ الحقبةِ البيزنطيّةِ مثل الشّاعر يوحنّا الغزّاوي، وجاورجيوس الذي من بيسيديّةَ وشاعرٍ مجهولٍ يوعزُ عمله الشعري في نقل المزامير من النثر بلغةِ الترجمةِ السّبعينيّة (الكيني) إلى شعرٍ يونانيٍ قديمٍ  ذي وزنٍ وتعابير ولغة هوميريّة إلى أبوليناريوس أسقف اللاذقيّة -- بيد أنّ هذا قَد تمَّ نفيه --  وغيرهم من الشّعراء اللامعين. 

وأمّا في بدايات القرن الواحدِ والعشرين فقد ابتدأت تظهر دراساتٌ وتفاسيرٌ على ملحمتيه، ’’الديونيسياكا‘‘ و ’’إعادة صياغة إنجيل يوحنا‘‘. ولقد كان أونريكو ليفريا الباحث الأدبي الإيطالي أوّل من بدأ بسلسلةِ هذه الدراسات والتي لا تزال قائمةً حتى اليوم.

No comments: